Interconnected in Culture for a Stronger Ecosystem

مُحْتَرَف المنظومة الحيويّة يُطلق نسخته الثانية في نويبع

تاريخ البدء 2023-03-15

تاريخ الانتهاء 2023-03-19

نويبع

مُحْتَرَف المنظومة الحيويّة يُطلق نسخته الثانية في نويبع

ما بدا للوهلة الأولى على أنّه لقاء للتواصل والتشبيك، لم يكن إلّا محترف المنظومة الحيويّة، وهي مساحة ذاتيّة التنظيم والإدارة تربط احتياجات التعلّم المختلفة، وتعزّز التبادل المعرفيّ بين المشاركين والمشاركات. في هذه النسخة، تمّ رفع سقف التوقّعات، بعد أن أقمنا النسخة الأولى العام الماضي في عمّان، الأردنّ، وقد كانت تجربة ناجحة ومميّزة، حتّى إنّها ألهمت فريق “ثقافة داير ما يدور” لعقد نسخة ثانية من البرنامج وبشكل أفضل. قام فريق MitOst بتنظيم النسخة الحاليّة، بعد أن دُعِي الحائزون والحائزات على المنح من جميع مكوّنات البرنامج الأربعة في مخيّم “دايرة” ذات البيئة الجميلة والحميمة والمتناغمة في نويبع، مصر. كما انضمّ لنا في هذه النسخة الفريق الأوسع للبرنامج وضيوف آخرون، تشاركنا فيها بيئة فريدة ومليئة بالتطلّعات والطموح، والتي جمعتنا سويًّا كأفراد يمثّلون مواقع مختلفة في المجال الثقافيّ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 

يُسِّر الاجتماع الّذي انعقد على مدار ثلاثة أيّام من قبل الميسرتين أولا كوتسكا وسيلفانا نجيب من فريق MitOst. ومن خلال الاستعانة بنهج الفضاء المفتوح، استضاف الحاضرون والحاضرات أكثر من ٣٢ جلسة، ممّن شعروا بالرغبة في مشاركة خبراتهم وممارساتهم الفنّيّة عبر أكثر من وسيط من اختيارهم. وبعد الكثير من الحوارات الطويلة، هيّأت سماء الليل الصافية ونسيم البحر الأحمر العليل، والرمال التي تحت أقدامنا لنا المجال للشروع بالقراءات المسرحيّة وعروض الأفلام والمحادثات المستمرّة بالقرب من النار الموقدة حول موضوعات تهمّنا جميعًا – بما في ذلك التساؤلات حول كيفيّة العمل على منظومة حيويّة ثقافيّة مستقلّة في المنطقة، والطرق المختلفة لمشاركة المعرفة والتعلّم من ممارسات بعضنا البعض.

بدأ اليوم الأوّل كعادته في مثل هذه التجمّعات – حيث بدأنا ببعض التدريبات البدنيّة والممارسات البسيطة التي ساهمت بكسر الحواجز، والتي كانت بمثابة ترحيب سلس يساعد الجميع، ما جعلهم حاضرين أكثر بعد سفرهم الطويل، ووصولهم من عدّة وجهات مختلفة من المنطقة. وما بين الكثير من الأسماء والوجوه الجديدة الّتي يجب على الجميع تذكّرها، انقسمت المجموعة إلى عدّة مجموعات صغيرة، للاتّفاق على المبادئ الأساسيّة التي ستؤطّر مشاركتهم خلال الأيّام الثلاثة المقبلة. وبعد أن تمّت الموافقة على ذلك، قدّمت ميسّرات الورشة الجدول وخطّة العمل الموسّعة والملوّنة، والأهمّ من ذلك كلّه، أنّها كانت مبنيّة على خيارات المشاركين أنفسهم ونهج الفضاء المفتوح، ودُعِيَ المشاركون للتمعّن بها بشكل عفويّ واتّباع مبادئها، مع الحفاظ على فكرة النموذج الانعكاسيّ المتلخّض بـ“ماذا؟ وماذا إذن؟ وماذا الآن؟” ووضع هذا في عين الاعتبار. 

في هذا اليوم، انقسمت المجموعة مرّة ثانية إلى مجموعات أصغر، ليتمكّن المشاركون من التعمّق في موضوعات إعداد التقارير، الأنثروبولوجيا، التصميم الغرافيكيّ، التعاونات، الأرشفة الرقميّة، الإدارة الماليّة والسياسات الثقافيّة. لقد امتلأت المساحة بالنصائح العمليّة وروح التفاعل الفنّيّ والعديد من العروض. شارك محمّد التنير من المورد الثقافيّ خبرته في إعداد التقارير، ودعا الآخرين إلى مشاركة أفكارهم وآرائهم. حدّد الحاضرون والحاضرات القضايا الرئيسيّة المتعلّقة بهذا الموضوع، مثل تعقيد هذه العمليّة واستهلاكها للوقت الطويل، وخصوصًا أنّ هذا الوقت غير مدفوع الأجر، بالإضافة إلى قلّة تبادل المعلومات ما بين الجهات المانحة… وفي وقت لاحق من اليوم نفسه، قدّمت المستشارة الماليّة ياسمين أوبيري بعض القواعد الذهبيّة المهمّة في هذا المجال، مثل “في كلّ لحظة، تحتاج إلى تزويد نفسك بنظرة عامّة”. ومن أهمّ الأحداث في هذا اليوم، كانت ورشة العمل التفاعليّة والتشاركيّة التي جاءت بعنوان “كيف تمشّي كلبًا” قدّمتها مؤسِّسات “مجموعة بَيْن” ضحى الوزير ونايكي ديتريتش. ومن خلال المناقشة ومشاركة مفاهيمهم الخاصّة، تمكّن المشاركون والمشاركات من إنشاء قيم أساسيّة بهدف التعاون، إذ أُتيحت لهم فرصة تجسيدها خلال جلسة ارتجال قصيرة. 

بدأ اليوم الثاني بزيارة محلّيّة لمجتمع حبيبة. تأسّست “حبيبة” كمشروع عائليّ صغير في عام ١٩٩٤، وتطوّرت لتصبح مجتمعًا مثاليًّا من الممارسين والممارسات العاملين في مجالات السياحة البيئيّة والزراعة ومؤازرة الاختلاف في منطقة جنوب سيناء، وبتوجيه من المؤسّس ماجد السعيد، تعرّف المشاركون في المُحْتَرَف على الزراعة العضويّة وتنمية المجتمع والعودة إلى معنى أن تكون إنسانًا عند تعرّض المجتمع لحالات صدمة مجتمعيّة واقتصاديّة وسياسيّة على مدار السنين. “كلّ الحلول الإنسانيّة تنتج من التجريب، كلّ ما يحدث هو استجابة لتحدٍّ ما”، أضاف ماجد. 

خلال النصف الثاني من اليوم الثاني، أثارت عدّة جلسات أسئلة جديدة لم نكن قد تطرّقنا إليها من قبل، ووفّرت للحاضرين والحاضرات فرصة قيّمة للتوقّف والتفكير، ودعا كلّ من الفنّانين ليون دوبوا وفتحي صحراويّ وعبدالله قاسم المجموعة للتفكير والغوص بمشاريعهم الفرديّة، أو ببساطة، التحدّث حول تجربة عمليّة لممارساتهم الفنّيّة هنا على رمال نويبع، ومع غروب شمس اليوم الثاني وحصد كلّ الآراء المتعلّقة به، أُضيئت شاشة السينما لعرض أفلام مختارة بعناية من قبل سارة بهجت وحبيبة لاوي.

مع اقتراب محترف المنظومة الحيويّة من نهايته، كانت هناك مجموعة واسعة من الموضوعات التي لا تزال عالقة في الهواء، ودعا مضيفو الورشة المجموعة للانضمام إليهم في مناقشة مدى قوّة تأثير الفنون في المناطق الريفيّة، واستكشاف نصائح وحيل الإدارة الإستراتيجيّة، والتعمّق في مفهوم المشاع والممارسة التي تدور حوله، وأكثر من ذلك بكثير. وتكشّفت الطاقة ذات الطابع التضامنيّ المبنيّة على فهم التجارب المشتركة بين دائرة الممارسين والممارسات العاملين في المناطق الريفيّة، والتي تتضمّن كلًّا من هبة العمري ومصطفى عدنان السكران وساندرا سليمان وطارق خلف الذين جاءوا من بلدان مختلفة، وخاصّة عند الحديث عن القواسم المشتركة النابعة من فتح مساحات، والقيام بالأنشطة في المجتمعات الأقلّ حظًّا وغير المخدومة في كثير من الأحيان. كما دار حديث مشوّق قاده ستيفانو مينديليك وأحمد برهام حول ممارسة المشاع، والذي جعل المشاركين والمشاركات يتساءلون عن الاحتمالات المستقبليّة للوجود والعمل معًا، وخصوصًا في السياقات الحضريّة. نشأت العديد من المحادثات على الغداء – عند مناقشة مستقبلات الإنسان المتعلّقة بالعمل مع الدكتورة كلوديا جروس، أو مشاركة ذكريات الأمير الصغير مع ليون دوبوسوت، أو استكشاف آخر تريندات وسائل التواصل الاجتماعيّ.

كان سؤال اليوم الأخير “ماذا الآن؟” – ما الذي يمكن فعله بعد كلّ ما تمّ تعلّمه ومناقشته والاعتراض عليه في الأيّام السابقة؟ في الساعات الأخيرة من البرنامج، انعكس الجميع على كثافة الشبكة التي بنيت، وعلى الحوارات التي حدثت، وأكّد الكثيرون على أهمّيّة إجراء تغييرات هيكليّة، وبناء المزيد من الجسور بين البلدان والقطاعات، وتقاسموا الإرادة والعزم على مواصلة الحوار والمحادثات والعمل على أساسها. 

اختُتِمت النسخة الثانية من محترف المنظومة الحيويّة بموسيقى عزفتها فرقة بدويّة محلّيّة، ومع استمرار الانشغال في عقول المشاركين وقلوبهم، تفاعل الجميع سويًّا في هواء الليل الدافئ والعليل، واستمرّوا ببناء الروابط ومشاركة قصصهم. كان هذا التجمّع مظهرًا من مظاهر المنظومة الحيويّة لبرنامج ثقافة داير ما يدور، ومثالًا رائعًا يتّضح من خلاله أنّنا حين نجمع الناس بعضهم ببعض، فإنّنا نعزّز التعاونات. إنّ المنظومة الحيويّة الثقافيّة للأشخاص العاملين في الفنون والثقافة وقطاعات المجتمع المدنيّ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي محدّدة، وبالتّالي، فإنّ الروابط التي أُنشئت في هذه الأيّام الثلاثة عزّزتها، وأعطت دفعة قويّة للتعاونات المستقبليّة، ونقل المعرفة في هذه البيئة مترابطة الصلات. 

ذات الصلة