Interconnected in Culture for a Stronger Ecosystem

تطلق أكاديمية المنظومة الحيوية نسختها الأولى في عمّان

تاريخ البدء 2022-05-09

تاريخ الانتهاء 2022-05-11

عمّان

تطلق أكاديمية المنظومة الحيوية نسختها الأولى في عمّان

ماذا سيحدث لو فكّرنا بكلّ شخص في هذه الغرفة كمنظومة حيوية؟

امتلأت شرفة مؤسّسة محمّد وماهر أبو غزالة (MMAG) في جبل عمّان، بأصوات أكثر من 40 ممارسًا فنّيًّا وثقافيًّا، من جماعات ومؤسّسات ومبادرات شبابيّة وتحالفات ثقافيّة مختلفة من منطقة جنوب البحر الأبيض المتوسّط، وذلك ضمن إطار مكون محترف المنظومة الحيويّة “Ecosystem Academy”، حيث دعا فريق “ثقافة داير ما يدور” (All-Around Culture)، المستفيدين من برنامج “مبادرات ثقافيّة ومدنيّة يقودها الشباب”، وبرنامج “تحالفات ثقافيّة”، جنبًا إلى جنب مع الميسّرين، للتفكير في المنظومة الثقافيّة الحيويّة في المنطقة ورسم خريطة لها.

وبأجواء من التنظيم الذاتيّ، تمّ اتّباع جدول أعمال البرنامج الذي استمرّ لثلاثة أيّام، بتيسير سلس من قبل كلّ من أولا كوتسكا وبافش باتل، والذي مكّن الحضور من تشكيل وقيادة وتوجيه طبيعة التجمّع.

لقد كان لنهج الإطار المفتوح حضورًا لافتًا، حيث اجتمع بعض الحاضرين لأول مرة معًا، وقاموا بتحديد أولويّات جدول الأعمال، بالإضافة إلى عقد جلسات يناقشون فيها كلّ شيء، من الاستدامة الجماعيّة وحتّى تنظيم المشاريع الثقافيّة وقدرتها على التكيّف. حيث يسعى محترف المنظومة الحيويّة بهذا، إلى خلق مساحة طموحة ونادرة، تجمع بين الممثّلين المختلفين الذين يشغلون مناصب مختلفة في المجال الثقافيّ.

في اليوم الأوّل، كان السؤال البارز الذي شغل بال الجميع، هو كيف نرى أنفسنا نعمل ونناور داخل منظومتنا الثقافيّة الحيويّة في اللحظة الراهنة؟ بالنسبة لبعض الحضور، كانت عمليّة المناورة هي مفاوضات مستمرّة نحو الحلول الوسطى الصعبة، والتي تتطلّب بعض الخفّة في الحركة، للتكيّف مع الظروف المختلفة غير المتوقّعة، بينما كان الأمر بالنسبة للآخرين، اكتشاف ومعرفة المزيد عن أنظمتهم الحيويّة بين بعضهم البعض، وتحديد أرضيّة مشتركة للانطلاق منها.

قدّم بافش تمرينًا جماعيًّا على الشرفة، حيث حاول الحضور تجميع أنفسهم على شكل ثلاثيّات بالنسبة للأشخاص المحيطين بهم، وأدرك الحاضرون بعد الانتهاء، أنّ هذا التمرين يشير مجازيًّا، إلى ما يلزم فعلًا لنكون معًا، وفي بعض الأحيان، لكي لا نكون معًا وسط التقاطعات المتحرّكة من حولنا، ومع ذلك، فهمنا بطريقة أو بأخرى، أنّ كلّ فرد منّا يشكّل هذا المنظومة الحيويّة الشاملة، والتي تحتوي أحيانًا، بعض الفجوات التي قد نضطرّ لسدّها.

بدا النقاش الساخن والحوار المشحون بين الحاضرين واضحًا، خاصّة مع المجالات والحقول والتجارب والامتيازات المختلفة التي جاء منها كلّ منهم ربّما كان ذلك أيضًا بسبب إصرار الميسّرين العمل بأسلوب التنظيم الذاتي والتفكير ضمن حوار مفتوح، وهو ما جعل التحوّل في السؤال الأساسيّ ممكنًا، بدءًا بـ”ما الذي جئتُ من أجله هُنا؟”، إلى “ما الذي جئنا من أجله هُنا؟”.

اجتمع الحاضرون ضمن مجموعات وتحالفات، للحديث عن الإحباطات التي تتعلّق بالتمويل وتحدّياته بشكل معمّق، بالإضافة إلى انهيار التعاونيّات وتفكّكها، وقضايا المناخ السياسيّ المتقلّب.

في إحدى الجلسات المفتوحة، أصبح واضحًا، أنّ الحديث حول استدامة المشاريع الثقافيّة، يعني أنّ يتحلّى الممارسون الثقافيّون بالمرونة، لتحديد مع من يتعاملون، وكيفيّة التعامل والتعاون مع الجهات الفاعلة في شبكتهم، بينما عنى ذلك بالنسبة لآخرين القدرة على ابتكار منهجيّات ذكيّة وقابلة للتكيّف، وذلك لإجراء أبحاث ميدانيّة في سياقاتها الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة المتقلّبة. وفي جلسة أخرى كانت قد عُقدت حول الاستدامة الماليّة في الصناعة الثقافيّة، أصبح تقريبًا من المستحيل، تجاوز التأثير الذي أحدثه الانخفاض الكبير في التمويل، والذي تفاقم بسبب جائحة كوفيد – 19 على العاملين في مجالات المسرح والسيرك وفنون الأداء المختلفة.

طبّق الحاضرون نظريّاتهم وموضوعاتهم وأسئلتهم حول التنظيم الذاتيّ والممارسات الفنّية، من خلال زيارات مختلفة قاموا بها لاستوديوهات الفنّانين والتجمّعات والمؤسّسات الفنّية في عمّان، حيث تعرّفوا على ثمانية فنّانين محلّيين يقيمون في الوقت الحاليّ ضمن برنامج الإقامة الفنّية الحرّة التابع لمؤسّسة MMAG، ويعملون في وسائط متعدّدة، مثل صناعة الزجاج والرسم وصناعة الأفلام والصوت وتصوير الأنالوج والنحت… كما تحوّلت هذه الزيارات الحميمة، إلى فرص للمحادثة واكتشاف الروابط بين الممارسين الفنّيين الذين يعملون في سياقات مختلفة، بهدف تبادل الأعمال والخبرات فيما بينهم.

بدا واضحًا بالفعل، خلال الجلسات التي أقيمت خلال اليوم، أو خلال المحادثات الشيقة أثناء تناول الغداء، أنّ الحاضرين بدأوا بالفعل بتخيّل نموذج بيئيّ ثقافيّ، حيث اعتمدوا على ذلك من خلال تصوّر وتدوين شبكاتهم المحلّية، والتفكير بتطوير العلاقات والتعاونات الحاليّة، جنبًا إلى جنب مع الشركاء والروابط والسياقات المختلفة التي كانت لدى الجميع، حيث سمحت هذه المنظومة الحيويّة التي تمّ تشكيلها للتوّ، بتكوين مختلف مع مختلف المشاركين، كلّ حسب مشروعه الثقافيّ الخاصّ.

أخذ المشاركون لمحة حول طريقة عمل المنظومة الحيويّة الأردنيّة، من خلال زيارات مختلفة لبعض المواقع والمؤسّسات الفنّية المحلّيّة والمساحات الجمعية في اليوم الثاني، مثل أستوديو “جدل” و”تيربو” و”دارة الفنون” و”المتحف الوطنيّ الأردنيّ للفنون الجميلة، وهو ما أتاح لهم زاوية أخرى للتفكير في الموضوعات المختلفة وتداخلاتها المحتملة، والتي من شأنها أن تثري خطط العمل والمناقشات خلال الجلسات المفتوحة.

في اليوم الثاني، طرحت الجلسات الجديدة أسئلة جديدة إمّا لم يتم طرحها بعد، أو أصبحت فرصًا مهمة للتمكن من أخذ خطوة للوراء بداعي التفكير والانعكاس. الجلسات التي قادها الحاضرون في اليوم السابق تم تيسيرها من قبل أشخاص مختلفين. إذ قدّم هذا الأسلوب طرقًا جديدة للنظر في نفس الموضوعات من زوايا مختلفة، من الانتقال بين توثيق الممارسات الفنية، والمشاريع الاجتماعية كوسيلة لتأمين الاستدامة المالية، والتنقل في متاهة التمويل الأجنبي والإقليمي، إلى التفكير في مرونة وقدرة المبادرات الثقافيّة على التكيّف في المنطقة. 

تحوّلت النشاطات إلى تمرين مهمّ ما بين العصف الذهنيّ والانسجام بين المشاركين، على الرغم من تجاوز وابتعاد بعض الجلسات عن هدفها الأساسيّ، ولا شيء يصوّر إيقاع اليوم أفضل من التمارين الأخرى التي يسّرها بافش مع المشاركين، حيث تُعصَّبُ عينا أحد المشاركين في القاعة، أثناء تجوّل الآخرين فيها، بينما يسعى للوصول إلى الكرسيّ الموجود في الطرف الآخر من الغرفة. وفي المحاولة الثالثة، تطوّرت الحبكة، إذ كان على المشارك عبور الغرفة بعد إزالة الكرسيّ. جميعنا، وعلى نحو ما، شهدنا عن قرب كلّ تلك التجارب والمحن والتحدّيات والصدمات المختلفة التي تواجهنا

خلال محاولات تعريف المنظومة الحيويّة وتحديده والتفاوض عليه، أصبح مهمًّا بين فترة وأخرى، التذكير بمركزيّة الممارسات الفنّية ضمن عمل المجموعات والمؤسّسات. وكانت مداخلة عبّود رواجبة ضمن عرض فيلم “الحديث عن الأشجار”، للمخرج السودانيّ صهيب قسم الباري، قد أثارت أسئلة وأفكارًا أساسيّة حول معنى التجمّع والإنتاج، ضمن سياقات تخضع للرقابة الشديدة والقمع السياسيّ، معيدًا المجموعة إلى طرح بعض الأسئلة حول فكرة التنظيم الذاتيّ، والدور المهمّ الذي يمكن أن يلعبه هذا الأمر في قلب هياكل السلطة من أساسها. كما نجح العرض كذلك في إبراز بعض الجوانب التي لم يتمّ التعبير عنها بشكل واضح خلال التجمّع. الممارسة المستمرّة والتي تكاد تكون عنيدة في الإصرار على وجود أنشطة ثقافيّة، متّبعة نهجًا تصاعديًّا (من الأسفل إلى الأعلى).

مع اقتراب انتهاء جلسات محترف المنظومة الحيويّة في اليوم الثالث، تغيّرت طاقة المكان وعاد ضجيج المشاركين، وشعرنا أنّ ثمّة انسجاماً ما، كان سؤال اليوم بكل بساطة، “ما الذي سنفعله بكلّ هذا الذي تعلّمناه وناقشناه واختلفنا عليه؟”. لقد انتقل المشاركون من تحديد أسئلتهم الشخصيّة ونقاط العمل والمداخلات بشكل فرديّ، إلى القيام بذلك في أزواج ثم في مجموعات.

لقد أصبح واضحًا، أنّ التغييرات الهيكليّة؛ كتوفّرالتأمين الصحّي للفنّانين المستقلّين، والتسجيل كمبادرات ربحيّة، والضغط من أجل حريّة تنقّل أكثر في المنطقة، كان في المقدمة لدى الكثيرين، خاصّة مع مواجهة البعض صعوبات في دخول الأردن عن طريق دول عربيّة مجاورة، ومن ناحية أخرى، فإنّ الشراكات وضمان التواصل المستمرّ بين العاملين في مجالات متماثلة لها أهمّية كبرى. بالنسبة للبعض، كان الأمر متعلّقًا أكثر بعمليّة تطوير وتجريب ممارسات وأساليب فنّية مختلفة، بهدف إثراء المبادرات الثقافيّة.

في الجلسات النهائيّة المفتوحة التي تمّ عقدها، سارع المشاركون لإجراء مراجعات وإضافات إلى جلسات اليوم السابق، وتحوّلت النقاشات إلى خطط عمل وإستراتيجيّات. اجتمع الكلّ حاملين أقلامهم وأوراقهم، وأصبح تحديد الخطوات التالية مسألة وقت ليس إلّا. تبادل المشاركون عناوين بريدهم الإلكترونيّ، وتمّ إنشاء المجموعات فيما بينهم على فيسبوك، وتمّ اختتام الجلسات، باستعراض خطط لتطوير أدوات توثيق الممارسات الفنّية والثقافيّة في جميع أنحاء المنطقة، والاتّفاق على إقامة اجتماع كلّ ثلاثة أشهر حول قضيّة الاستدامة الماليّة الثقافيّة، بالإضافة إلى اقتراح إستراتيجيّات مختلفة للحفاظ على الجماهير وتنميتها.

بعض النصائح:

  • قدرة المشاريع والمبادرات الثقافيّة تتفاوت على التكيّف، ويبدو، أنّ المبادرات الثقافيّة المتعلّقة في مجال الفنون الأدائيّة، هو الأقلّ قدرة على التكيّف في ظلّ الصدمات التي يتعرّض لها النظام الثقافيّ، خاصّة فيما يتعلّق بقضيّة التمويل.
  • من الضرورة البدء في إقامة تجمّعات، تجمع بين الفاعلين الثقافيين في مختلف مناصبهم ومراكزهم وخلفيّاتهم الثقافيّة، حيث يوفّر ذلك فرصة نادرة للمؤسّسات، للاستماع إلى التعاونيّات التي تشكّلت حديثًا أو الفنانين، وذلك بهدف أن تصبح هيئات التمويل أكثر وعيًا بالتحدّيات والفرص التي تواجه الفنّانين في سياقات مختلفة.
  • في حين أنّ أدوات الإدارة الثقافيّة التي تسعى لتحفيز القطاع الثقافي مهمّة للغاية، يجب أيضًا تقديم مساحة للممارسة والعمليّة الفنية، من أجل إبلاغ وإلهام وتشكيل رؤية الجماعات والمؤسّسات على حدّ سواء.
  • السياقات المختلفة تتطلّب إستراتيجيّات وأدوات ومنهجيّات مختلفة. يجب تخصيص الوقت اللازم لفهم ووصف وإيجاد الطرق التي يمكننا بها تشبيك السياقات المختلفة معًا، وذلك للتمكّن من تقديم مداخلات ذات صلة، قابلة للتنفيذ في المنظومة الحيويّة.
  • الأهمّ من فهم المنظومة الحيويّة، هو القصص والأدوات والممارسات التي أجريت في جميع أنحاء المنطقة، حول الطرق والأساليب المختلفة التي مكّنتهم من الحفاظ على مبادراتهم، على الرغم من التغيّرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة.
  • من الممكن لهذه التجمّعات، أن تضمّ مختلف العاملين في القطاع الثقافيّ، وتمكّنهم من وضع جدول أعمال مناسب ومؤثر وذات توقيت مناسب أيضًا.

بعض الأسئلة العالقة:

  1. ما الذي سيحدث لو فكّرنا في كلّ شخص داخل هذه الغرفة على أنّه منظومة حيويّة؟ كيف يمكننا التأثير عليها، وكيف يمكن أن تبدو هذه المنظومة الحيوية في نهاية الأمر؟
  2. ما هي الأهمّية التي نعطيها للممارسة الفنّية، لتشكيل منهجيّات البحث وإيجاد الشراكات؟ وكيف يمكن أن تحدّد الطريقة التي نتكيّف بها مع الظروف المختلفة؟
  3. كيف يمكننا الحفاظ على الاستقلاليّة أثناء المناورة والتفاوض مع هيئات التمويل المختلفة. وبأيّ الطرق تصبح هيئات التمويل مسؤولة عن تشكيل مسار القطاع الثقافيّ؟
  4. كيف وأين نضع أنفسنا للرد على خصوصية سياقتنا؟، وفي الوقت ذاته، كيف نكون قادرين أيضًا على التواصل مع الاتّجاهات والتحدّيات الإقليميّة والدوليّة والارتباط بها؟
  5. كيف تبدو الاستدامة الماليّة في السياق الثقافيّ الحاليّ للمنطقة؟

ذات الصلة